The King
المساهمات : 23 تاريخ التسجيل : 18/06/2008
| موضوع: إختطاف عقل الجزء الثالث الأربعاء يونيو 18, 2008 3:31 pm | |
| [ عمر بين واقعين ]
انتقل عمر إلى الدراسة في ثانوية بعيدة بعض الشيء عن منزلهم (منزل جده) .. كان يذهب به خاله محمد ويعيده إلى المنزل مع نهاية الدوام.. هكذا مرت السنة الأولى.. كان عمر تحت رعاية خاله.. وكان مثالا لحافظ القرآن.. كان متفوقا في دراسته وشعلة من النشاط في مدرسته.. كان يلقي فيها الكلمات ويقدم للندوات والمحاضرات.. كان محبوبا لدى معلميه وزملائه.. وكان يتميز بدماثة الخلق وخفة الدم.. لم يكن أحدا من طلاب الحلقة التي يدرس فيها عمر يشاركه الدراسة النظامية حينها.. فكان عمر يعيش واقعين متغايرين.. ففي العصر يعيش بين أصحاب صالحين مستقيمين ومشرفين حريصين عليه ويرعونه وزملائه كما يرعون أبناءهم.. يتعاون عمر مع زملائه على حفظ القرآن ويتنافسون على تلاوته.. ويشاركون في برامج ثقافية ورياضية واجتماعية مختلفة تقام بإشراف معلميهم في الحلقة.. أما في الصباح فكان في مدرسته يعيش مايقارب الست ساعات بين متردية ونطيحة.. لكن عمر كان بينهم قويا مهابا بما كان يراه منه أقرانه من تفوق وتميز.. كانت آثار المراهقة قد ظهرت على عمر لا سيما في هذه المرحلة.. وبدأت تتجلى فيه أمارات الوسامة والأناقة إضافة إلى أنه كان محبوبا خفيف الظل.. مما جعله هدفا يطمح إليه التافهون الضائعون ! كان عمر يقضي بعض وقته في البيت على جهاز الحاسب الذي اشترته له أمه.. غير أن ذاك كان محصورا على برامج الكتابة وبعض العروض الترفيهية والمسابقات.. ولم يكن حينها قد غاص في أعماق الشبكة العنكبوتية ! أنهى عمر السنة الثانية من المرحلة الثانوية.. وفي الإجازة الصيفية شارك عمر -كعادته-مع زملائه في الحلقة في (مركز صيفي) كان نشاط عمر فيه كنشاطه في مدرسته بل أشد.. كان قد وهب نفسه لأنشطة المركز وها هو يقدم لها وقته وجهده.. إضافة إلى ذلك فأنه قد انضم إلى دورة صيفية لحفظ ومراجعة القرآن المقامة في حلقته التي يعرفها جيدا.. فعمر الآن يعيش أيامه بهمة الشباب العالية !
[ صبـاح حـزين !! ]
وفي صباح أحد الأيام.. خرج عمر من الجامع في الساعة الثامنة متوجها إلى المنزل ماشيا على قدميه.. ولما خرج كان يسمع صوتا قويا مزعجا.. يعرفه الصغير قبل الكبير.. إنه صوت (صرير) الإطارات وهي تحتك بالأرض.. كان عمر حذرا وهو يمشي.. اقترب عمر من المنزل فإذا بسيارة تقبل أمام منزلهم وتدبر.. وتسير بسرعة جنونية.. وتنحرف ذات اليمين وذات الشمال.. !! وبشكل خاطف.. مر هذا المتهور بجانب عمر.. وبمجرد أن رأى عمر ملامح ذاك المتهور إذا بالحزن يرتسم على وجه عمر.. وإذا بالدمعة تسقط من عينيه.. فهو يعرف جيدا ذاك (المتهور) إنه : البراء.. الشاب الذي ترك الحلقة منذ سنة.. كان قبلها هو المنافس الأول لعمر.. وكان قد شارف على حفظ القرآن غير أنه تولى وانتكس!! لم يتوقف (البراء) عن (التفحيط) وكأنه يريد الانتقام من عمر!! ولى البراء إلى آخر الشارع.. ثم أقبل مسرعا "كجلمود صخر حطه السيل من عل" ..!! وفي هذه الأثناء.. رن هاتف عمر : (فالزم رجليها) يتصل بك.. إنها أمه.. سألته عن حاله وهي تسمع أنغام الإطارات.. وبرأفة الأم طلبت منه الحذر.. ثم أنهت المكالمة.. أدخل عمر هاتفه في جيبه.. فلما رفع رأسه إذا به يرى سيارة البراء (المسروقة) تنحرف عن مسارها فتضرب رجلا بقوة هائلة يرتفع معها الرجل عاليا ثم يسقط ممدا على الأرض بلا حراك.. ولا يوقف زحف سيارة البراء إلا اصطدامها بأحد أعمدة الإنارة.. !! تجمد عمر في مكانه من هول ما رأى.. وتردد إلى أيهما ينطلق أولا.. أإلى الرجل الممدد؟ أم إلى صاحبه البراء؟! أخرج عمر هاتفه واتصل بالإسعاف.. ثم انطلق إلى صديقه السابق : البراء.. كان البراء يئن وقد غرق في دمه وهو داخل كومة من حديد.. أخذ ينتفض.. ونطق عمر : - لا إله إلا الله..! أخذ البراء يئن بشدة.. وقد غرق بدمه.. كرر عمر وهو يبكي : -لا إله إلا الله.. محمد رسول الله !! البراء يصرخ وبشده.. قال عمر بصوت مرتفع : - البراء.. البراء.. قل : لا إله إلا الله ! حينها.. نطق البراء بصوت خافت ضعيف : - لا إلله إلا الله محمد رسول الله! ومات ! نطق بالشهادة حيث ظهرت آثار النشأة الصالحة التي تراجع عنها البراء بحكمة الله.. نطق بالشهادة لما حواه قلبه من كلام الله تعالى.. فكان القرآن شفيعا له أن ينطقها في هذه اللحظة العصيبة..! وصلت سيارة الإسعاف.. وتوقفت عند الرجل الممدد.. وجاء عمر مسرعا.. نظر عمر إلى الرجل.. فانعقد لسانه.. وأظلمت دنياه.. وأصابته نوبة بكاء شديدة.. لما رأى رجال الإسعاف يضعون القماش على جسد ذلك الرجل.. ثم غطوا به وجهه وهم يقولون : رحمه الله..!! حينها صرخ عمر باكيا : - لا.. أنتم تكذبون.. ابتعدوا ! جدي ما مات !
[ عمر.. ومعـاذ !! ]
في لحظة واحدة.. فقد عمر جده - الذي هو أغلى رجل في حياته - كما فقد صاحبه البراء.. فكانت الصدمة صدمتين.. والحزن حزنين.. عاش عمر في بيت جده.. وكل زاوية من زوايا البيت تعيد له ذكرى جده.. فها هنا كان يشرب قهوته.. وها هنا كان يبادله أجمل الحكايات والقصص.. وهنا كان يتوضأ ..! عاش عمر أيام العزاء في حزن كبير.. مع رضاه بما كتب الله.. عزاه أهل الحارة.. وعزاه مشرفيه وزملاءه في الحلقة.. وجمع كبير ممن يعرف جد عمر بل وحتى ممن لا يعرفه.. في فترة العزاء انقطع عمر عن حضور الدورة المكثفة وكذا عن حضور المركز الصيفي.. فكان عمر يشعر بفراغ كبير -كأي شاب مراهق- حدى به ذلك إلى البحث عما يشغل وقته في البيت.. فارتمى بين يدي جهاز الحاسوب الذي أهدته له أمه وغاص في أعماقه.. وفي ثاني أيام العزاء ذهب عمر لزيارة أهل البراء وتعزيتهم في ابنهم.. رغم أنه كان السبب في وفاة جده.. رحبوا به أشد ترحيب.. كيف لا؟! وهو من لقن ابنهم الشهادة وهو يلفظ أنفاسه..!! في مجلس العزاء.. كان عمر قد جلس بجانب (معاذ) وهو أحد أصدقاء البراء المتأخرين.. ممن كان يؤزه أزا إلى طريق الغواية.. وهو يدرس في نفس الثانوية التي يدرس فيها عمر.. عمر لم يكن يعرف شيئا عن معاذ.. فأخذ يبادله الأحاديث حتى (ضحك) عمر ! شعر عمر أنه قد وجد شخصا يؤانسه في أيام العزاء.. خصوصا مع انشغال أصحابه في الحلقة بالدورة المكثفة والمركز الصيفي ! قال معاذ : - ما رأيك ياعمر أن نتناول وجبة العشاء سويا ؟ تردد عمر كثيرا في قبول هذه الدعوة.. فهيئة معاذ ستجعل عمر في منظر مريب لم يعتد عليه!! إلا أن فراغ عمر وشعوره بالملل جعله يوافق.. واستأذن أمه أنه سيتناول العشاء مع (صاحبه).. فوافقت رغم حرصها الشديد على ابنها.. ولكن حزنها الشديد على أبيها كان قد أشغل تفكيرها.. بعد صلاة العشاء اتصل معاذ بعمر : - مرحبا عمر.. - وعليكم السلام ورحمة الله! - دقيقتان وسأكون عند باب منزلكم.. - بإذن الله.. أنا أنتظرك. - أحضر معك جهازك المحمول.. - لا بأس.. سأحضره. جاء معاذ فركب معه عمر وانطلقا.. قال معاذ لعمر: - أين تريد أن نذهب ؟ - أي مكان تحب.. لا مشكلة ! قال معاذ : - سنشتري عشاء من أحد المطاعم ونأخذه إلى بيتنا.. وافق عمر.. أخذا العشاء من المطعم وتوجها إلى البيت.. دخلا ما يسمى بالملحق.. تناولا العشاء ثم استأذن معاذ من عمر أن يتعرف على حاسوبه.. فأذن له..!! | |
|