The King
المساهمات : 23 تاريخ التسجيل : 18/06/2008
| موضوع: اختطاف عقل الجزء الثاني الأربعاء يونيو 18, 2008 3:25 pm | |
| [ عمر وأمه والقرآن ]
في بداية الأمر.. كان أبو عمر مهتما وبشكل كبير بابنه عمر.. غير أن الطفل عمر قد نشأ أغلب ساعات عمره بين يدي أمه (هاجر).. هاجر.. أو أم عمر.. تشعر بسعادة عظيمة.. حين تداعب صغيرها (عمر) وتسمع ضحكاته.. بل حتى بكاءه.. وكانت - وهي تحمله بين يديها - تتخيله مصحفا وتتمناه قرآنا يمشي على الأرض.. لهذا لما بلغ عمر الخامسة أدخلته أمه في حلقة تحفيظ القرآن الكريم بالجامع القريب جدا من منزلهم.. ووالده لم يرفع لذلك رأسا.. وقد اصطحب عمر لتسجيله في الحلقة جده.. كبر عمر.. وبلغ السن التي تسمح له بالدراسة النظامية.. وعزمت أمه على إدخاله بمدرسة لتحفيظ القرآن الكريم.. قامت (هاجر) بالحديث مع أبي عمر حول هذا الأمر.. رفض وقال: - لا أريد أن يكون ابني من خريج تلك المدارس..!! لم تيأس أم عمر فصارت تلح عليه أياما متتالية.. حتى وافق.. بعد أن علم أن مدارس التحفيظ تعطي مكافأت مالية لطلابها !! بعد سنة دراسية كان عمر قد حفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم.. كان القرآن يملأ حياة عمر.. فهو يتلوه في المدرسة وفي الحلقة وفي المنزل.. وعدته أمه إن هو حفظ القرآن كاملا أن تعطيه مكافأة كبيرة يختارها هو بنفسه.. فاستبشر عمر.. ثم سكت برهة وقال : - أمي.. أستاذنا في الحلقة يقول أن من حفظ القرآن فإنه يلبس والداه يوم القيامة تاجا من نور.. هل هذا صحيح يا أمي؟ - نعم صحيح يا عمر.. هذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.. - عليه الصلاة والسلام.. لكن يا أمي.. أنا لا أريد أن ألبس أبي هذا التاج.. أريد أن ألبسك أنت فقط ! دمعت عينا أم عمر.. وهي لا تدري أهي دموع فرح أم دموع حزن.. حاولت حبسها بابتسامة مشرقة.. أشرق معها وجه صغيرها عمر.. طرااااااخ.. إنه صوت باب المنزل ذاك الصوت الذي تلاشت معه ابتسامة عمر وأمه.. دخل أبو عمر فانطلق عمر (ذو السبع سنوات) إلى غرفته مسرعا.. وكالعادة.. كانت إذاعة القرآن الكريم تعطر جنبات المنزل.. غير أن صراخ أبو عمر قد ارتفع على صوت القرآن.. وصار يرعد ويزبد وقد انتفخت أوداجه واحمرت عيناه.. وأم عمر لا تدري لماذا كل هذا الغضب خصوصا أنها لم تسمع كلمة مفهومة.. فقد كانت الكلمات تخرج من فم أبي عمر مختلطة ومتشابكة.. والحيرة قد لاحت في وجه أم عمر.. وعمر في غرفته قد ارتمى فوق سريره.. لاحظت أم عمر أن أبا عمر يسير بخطى مترنحة ويميل يمنة ويسرة.. أم عمر لم تستوعب الوضع جيدا.. غير أن الأمر الذي تجزم به هو أن زوجها في وضع غير طبيعي.. !!
[ الأب صالح غير صالح ! ]
اقترب أبو عمر من زوجته.. وهو لازال يصرخ ويترنح في مكانه.. استنشقت أم هاجر رائحة كادت أن تسقطها من مكانها.. رفعت صوتها متساءلة بكل براءة : - ما بك يا صالح ؟ صفعها صفعة قوية أسقطتها على الأرض ..!! بكت هاجر وحاولت أن تكتم صراخها ظانة أن صغيرها لا يعلم بما يجري ! ذهب أبو عمر إلى غرفة الضيوف وهو يترنح.. ورمى بنفسه وراح في نوم عميق.. أم عمر في مكانها تبكي وقد علمت - بيقين - أن زوجها يشرب الخمر ويتعاطى سموما قاتلة ! شعرت أم عمر بيد تمسح على كتفها.. رفعت رأسها فإذا بصغيرها عمر وقد دمعت عيناه وهو لا يعلم من الأمر شيئا سوى أن والده قد ضرب أمه.. تكرر هذا الموقف مرات عديدة وصار أمرا شبه يومي!! هاجر.. أخفت هذا الأمر عن والدها ووالدتها وأخيها.. وفي أحد الأيام ذهبت هاجر لزيارة أهلها وبرفقتها ابنها عمر.. الذي يحب جده وجدته كثيرا.. وكان يحدثهما عن همومه وتساؤلاته.. وهناك انفرد عمر بجده وقال هامسا في أذن جده : - جدي.. أنت تحب أمي أليس كذلك ؟ - طبعا يا بني.. وأحبك كما أحبها.. - إذا يا جدي سأخبرك بشيء مهم..!! - تفضل يا صغيري.. - إنه أبي ياجدي !! - أبوك ؟! ما به ؟! انفجر عمر باكياً.. وخالط بكاءه أحرف خرجت من فيه الصغير.. وجده لم يفهم ما يقول.. بكاء عمر يزداد وجده يكرر وقد احتضن صغيره : - ما الأمر يا بني ؟! تكلم..! - أكره أبي.. أكرهه !! فهم جده الأمر وانطلق إلى ابنته هاجر وسألها بسرعة : - هاجر.. صالح يشتمك ؟! بكت أم عمر وقد رأت صغيرها واقف خلف جده.. وقالت : - ليته يشتمني وحسب.. إنه يضربني يا أبي !! تعوذ أبيها واستغفر وذكر الله وجلس.. ثم قال : - لماذا لم تخبريني عن هذا ؟ - كنت لا أريد مضايقتك و... ! - لا بأس يا ابنتي.. لا بأس.. جرت محاولات عديدة من أبي هاجر وأمها وأخيها محمد لإصلاح حال صالح وحل مشاكله مع ابنتهم.. ولكن بعد ثلاثة أشهر من المحاولات.. كان (الطلاق) هو الحل الوحيد !!
[ عمر حافظ لكتاب الله ]
انتقلت هاجر إلى منزل أبيها وبرفقتها ابنها الصغير عمر.. وكان عمره حينها إثنا عشرة سنة.. أنهى فيها الدراسة الابتدائية في مدرسة التحفيظ.. كان عمر مستمتعا في بيت جده وبدا أكثر سعادة.. خصوصا أن ذلك صاحب بدء الإجازة الصيفية.. وعمر لم ينقطع يوما واحدا عن حضور حلقة التحفيظ.. وأمه تتابعه في حفظه.. في الحلقة.. وبعد مرور شهر من الإجازة.. كان عمر بين يدي معلمه.. ها هو عمر يقرأ آخر سورة البقرة : (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين )) .. ثم قرأ سورة الفاتحة والسعادة تغمر قلبه وقلب معلمه المخلص.. فها هو عمر (حافظ لكتاب الله) .. هنأه زملاؤه قبل معلميه.. ثم انطلق عمر إلى أمه : - أمي.. أمي.. أنهيت حفظ القرآن ! احتضنته أمه وقبلته وهي تكاد تطير من الفرحة والبسمة قد علت محياها.. والسرور قد ملأ قلبها والدموع تكاد تغرق عيناها.. فها هي ترى حلمها قد تحقق -بفضل الله- وها هي ثمرة جهدها ونتاج تعبها ومتابعتها.. وها هو ابنها (من حفظة كتاب الله).. انتهت الإجازة.. وعمر الآن طالب في المرحلة المتوسطة..!!
[ عمر.. طالبٌ في المرحلة المتوسطة ]
عمر في المرحلة المتوسطة طالبٌ متفوقٌ في دراسته ومتميزٌ في أخلاقه كما كان في المرحلة الابتدائية.. وكان عضوا دائما في إذاعة الصباح وعضوا في جماعة التوعية الإسلامية.. ولما وصل عمر لآخر سنة في المرحلة المتوسطة -التي عاش أيامها نشطا متفوقا- أقيمت على مستوى المنطقة مسابقة كبيرة في حفظ القرآن الكريم وتلاوته.. واختارت إدارة المدرسة عمرا كي يكون ممثل المدرسة في المسابقة.. فتقدم العظيم الصغير بكل ثقة وقوة.. وشارك في المسابقة فكانت خير مشاركة.. وحاز بجدارة المركز الأول.. وسلمت له جائزة ثمينة وبقدر فرحه بها إلا أنها لم تكن هدفا له.. لذا لم يلتفت لها كثيرا.. ولكنه طار إلى أمه يخبرها.. فطارت هي الأخرى فرحة بإنجاز ابنها.. وما كان منها إلا أن أمرته أن يختار هديته بنفسه.. وبعد تردد قال عمر لأمه : - أنا أحب الحاسب الآلي.. وأريد شراء جهاز حاسب محمول.. وافقت أمه واشترت له حاسبا محمولا جديدا.. فصار عمر يقضي أمامه الساعات الطوال يتفحصه ويستكشفه.. انتهت هذه السنة الدراسية والحزن قد خيم على قلب عمر.. فليس أمرا سهلا أن يودع الفتى مدرسة احتضنته ثلاث سنوات كان فيها طالبا نشطا متفوقا.. يتنقل بين أنشطتها كالنحلة تتنقل بين الأزهار.. فهو نجم في الإذاعة الصباحية.. وشمس تضيء جماعة التوعية.. وخطيب يشهد له مصلى المدرسة.. عمر سيترك هذا المكان وسينتقل إلى عالم ووسط آخر مختلف.. مختلف جدا !! | |
|